الجمعة، 4 يوليو 2008

لماذا رفض الانجليون كتب الابوكريفا؟


لماذا رفض الإنجليّون كتب الأبوكريفا؟يسأل بعض المشككين المعترضين عن سبب رفض الإنجليين لكتب الأبوكريفا، وعدم ضمّهم إياها ضمن لائحة الأسفار القانونيّة لكتب العهد القديم. وسنحاول، بنعمة الرب، وبالاستناد إلى بعض المراجع، أن نقدّم جواباً وافياً وكافياً وشافياً إن شاء الرب. وهنا أريد أن أنبّر وأؤكّد على أهمية مطالعة هذا الموضوع من قبل خدّام الكلمة بشكل خاص، ومن قبل جميع المؤمنين بشكلٍ عام. فنحن نعلم ونؤمن أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله الوحيدة، وهو الأساس الذي نبني عليه إيماننا كمؤمنين مسيحيين. فمن المفروض أن تكون عندنا الإجابة على هكذا نوع من الأسئلة.وقبل أن نبدأ بالرد على هذا السؤال، وجدت أنّه من الأفضل أن أوضّح شيئاً هاماً يخص الكنيسة الكاثوليكيّة. إنّ الكاثوليك أقرّوا في مجمع (ترنت) في القرن (السادس عشر) بأنّ كتب الأبوكريفا قانونيّة، وضمّوها إلى التوراة (الكاثوليكيّة). ولكن، يجب أن نعرف أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة اعتبرت قانونية هذه الأسفار من الدرجة الثانية، وليس على نفس المستوى للكتب المقدسة القانونيّة التي يعترف بها جميع المسيحيون. هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة لا تبني إيمانها على هذه الكتب، ولكنّها فقط تعتبرها ذات منفعة للدرس والمطالعة. أمّا عن سبب ضم الكاثوليك كتب الأبوكريفا إلى اللائحة القانونيّة فذاك بسبب وجود هذه الكتب ضمن أسفار العهد القديم في الترجمات السبعينيّة واللاتينيّة. ولكن، ماذا عن الإنجليين وموقفهم من هذه الكتب؟ لماذا رفضوا ضمّها إلى اللائحة القانونيّة لكتب العهد القديم الذي بين أيدينا؟!... وفي سبيل تبسيط الأمور، وجدت أنّه من الأفضل أن نقسم بحثنا المتواضع هذا إلى قسمين (أو سؤالين):1- ما معنى (الأبوكريفا)، وما هي هذه الكتب؟2- لماذا رفض اليهود ضمّها إلى كتب العهد القديم؟التحليل:أولاً: ما معنى (الأبوكريفا)، وما هي هذه الكتب؟من المعروف أنّ (الأبوكريفا) هي كلمة يونانيّة معناها "مخفي" أو "مخبّأ" أو "شيء سرّي". وردت هذه الكلمة في الترجمة السبعينيّة للعهد القديم (أي الترجمة اليونانيّة) في سفر دانيال والفصل الحادي عشر (آية 43) بمعنى (الكنز المُخفى). كما أنّها جاءت في نفس السفر (2: 19) كإشارة إلى الأسرار المخفية والبعيدة عن متناول المعرفة البشريّة. هذا، وإذا أبحرنا إلى العهد الجديد، لوجدنا أنّ هذه الكلمة اليونانيّة قد ذُكِرت ثلاث مرّات: في (مر 4: 22): "ليس خفيٌّ لا يظهر". وفي (لو8: 17) وَ (كو 2: 3): "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم". وهكذا، أطلقت الكنيسة المسيحيّة في عصورها الأولى كلمة "أبوكريفا" على تلك الكتب غير القانونيّة. أمّا السبب في ذلك فعائد إلى أنّ بعض تلك الكتب كُتِب بأسلوبٍ (رؤوي) apocalyptic ، وهو نوع من الكتابة الأدبيّة التي تتحدّث عن أمورٍ في المستقبل هي بطبيعتها (مخفيّة) عن الإنسان العادي. ومن المعلوم أنّ هذا النوع من الكتابة (في شيفرات سريّة) يظهر في أوقات المحن، والهدف منه تشجيع الشعب وتعزيته. ولكن معنى كلمة أبوكريفا قد تطوّر في الاستخدام المسيحي وأصبح (الكتب المُزيّفة)، أو (المشكوك بصحتها) أو (التي تحوم حولها الشكوك). هذه الكتب هي: (طوبيا، ويهوديت، وعزرا الأول والثاني، وتتمّة أستير، ورسالة إرميا، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، وحكمة سليمان، وصلاة عزريا، وتسبحة الفتية الثلاثة، وقصّة سوسنّة والشيخين، وبِل والتنين، وصلاة منسّى، وكتاب المكابيين الأول والثاني). وبالرغم من أنّ الترجمة السبعينيّة للعهد القديم ضمّت هذه الكتب، إلا أنّ علماء اليهود أعلنوا رفضهم لها في مجمع جامنيا (سنة 90م)، وأقرّوا بأنّها ليست من وحي الله. وإذا أردت الحصول على المواضيع العامة لتلك الكتب، أرجو أن تُراجع المقال حول كتب (الأبوكريفا) في نفس الموقع.ثانيا: لماذا رفض اليهود هذه الكتب؟أخي الفاضل: دعني أوجز لك بعض أهم الأسباب التي دفعت علماء بني إسرائيل لكي يرفضوا كتب الأبوكريفا:(1) تُنسب هذه الكتب إلى أشخاصٍ مشاهير لم يكتبوها. وبالمناسبة، هذا الأسلوب في الكتابة كان مشروعاً ومعروفاً والهدف منه هو إضفاء قيمة وسلطان على الكتاب. مثلاً، يعلن كاتب سفر الحكمة أنّ الكتاب هو من تأليف سليمان الحكيم. ولكن هذا بالطبع غير صحيح، فالكاتب نفسه يستشهد بأقوال للنبي إرميا والنبي إشعياء اللذان تنبّأا بعض سليمان الملك بمدّة طويلة. هذا، ولقد أجمع أئمة اليهود على أنّ آخر أنبيائهم كان ملاخي، فكتب ما بين العهدين (الأبوكريفا) لا مكان لها بين كتب الأنبياء. (2) معظم هذه الأسفار كُتِب باللغة اليونانيّة، في حين أنّ اللغة العبريّة هي لغة أنبياء الله في العهد القديم. (3) لم يذكر كتبة هذه الكتب بأنّها وحيٌ من عندِ الله. مثلاً، يقول كاتب المكابيين الثاني: "إن كنت قد أحسنت التأليف وأصبت الغرض، فذلك ما كنت أتمنّى, وإن كان قد لحقني الوهن، فإنّي قد بذلتُ وسعي". (4) توجد بعض الأخطاء التاريخيّة في هذه الأسفار. فمثلاً، يقول طوبيا أنّ نبو بلاسر دمّر نينوى، في حين أنّ الذي دمّرها هو نبوخذ نصر. (5) توجد أيضاً أخطاء عقائديّة. فمثلاً، يذكر كاتب طوبيا بأنّ طوبيا كان في صحبة ملاك اسمه روفائيل ومعهما كلب. وهناك خرافة تقول بأنّك إذا أحرقت كبد حوت فإنّك تهزم الشيطان. والكثير من هذا القبيل.(6) لم يذكرها يوسيفوس، المؤرخ اليهودي الشهير والمُعوّل عليه. هذا بالرغم من أنّه ذكر في تاريخه عن بني إسرائيل كتبهم المقدسة، وأوضح تعلّق بني إسرائيل بتلك الكتب لدرجة معها يهون على كل يهودي أن يفديها بروحه.هذه كانت الأسباب التي جعلت اليهود يرفضون تلك الكتب. وبما أنّ بني إسرئيل هم الذين حفظوا كتب العهد القديم المقدسة، فهم إذاً أصحاب الرأي في هذه القضيّة. وقد انتهج الآباء المسيحيون نهجهم في ذلك الرفض. ورغم أنّ بعضهم اقتبس منها إلا أنّهم لم يعتبروها على نفس المرتبة أو الدرجة من الوحي. وإليك مجموعة من الآباء والعلماء المسيحين الذين رفضوا كتب الأبوكريفا:- لم يذكرها مليتو أسقف ساردس (في القرن الثاني).- لم يأتي أوريجانوس، الذي نبغ في (القرن الثاني)، على ذكرها.- لا أثناسيوس ولا هيلاريوس ولا كيرلس أسقف أورشليم ولا أبيفانوس ولا إيرينيموس (جيروم) ولا روفينوس ولا غيرهم اعتبروها من الكتب المقدسة الموحى بها في القرن الرابع الميلادي. - وضعها جيروم (إيرونيموس) مترجم الفولجاتا (من اليونانيّة إلى اللاتينيّة) بعد نبوّة ملاخي، فأُطلِق عليها فيما بعد: (أسفار ما بين العهدين). - ذكر الأب متى المسكين في كتابه (الحكم الألفي) بأنّ هذه الكتب مزيّفة، وهي من وضع القرن الثاني قبل المسيح، وفيها تعاليم خاطئة وضلالات خطيرة، ولكنها ذات منفعة تاريخيّة كوثائق للدراسة، ولكن ليس ككتب موحى بها من الله. - لم يحصل أدنى خلاف بين أعضاء مجمع نيقية على صحّة الكتاب المقدس، لأنها كتب إلهيّة رفيعة المستوى وفي غنى عن ذلك. خاتمة: لا بد أنّ أوضّح في الختام بأن الكنيسة ليست هي التي قررت ما هي الأسفار الإلهيّة المقدسة، ولكن الذي فعلته الكنيسة هو أنّها نبذت ورفضت كل ما يعارض روح وسلطان الكلمة الإلهيّة (الكتاب المقدس). هنا لا بد أن نذكر ما قاله الرسول بطرس في رسالته الثانية والفصل (أو الأصحاح) الأول (آية: 19-21): "عندنا الكلمة النبويّة، وهي أثبت، التي تفعل حسناً إن انتبهتم إليها... عالمين هذا أولاً: أنّ كلّ نبوّة الكتاب ليست من تفسير خاص، لأنّه لم تأتِ نبوّة قط بمشيئة إنسان، بل تكلّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس". آمين ثم آمين.المراجع المستخدمة:1- عبد النور، منيس، القس. شبهات وهمية حول الكتاب المقدّس. كنيسة قصر الدوبارة. طبعة ثالثة. 1998م.2- عبد الملك، بطرس. ألكسندر طمسن، جون. قاموس الكتاب المقدس. حرف الألف. دار الثقافة. 1995.3- اسطفانوس، عبد المسيح. تقديم الكتاب المقدس للقارئ العربي. دور الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. 1994.

ليست هناك تعليقات: